سورة يوسف - تفسير تفسير أبي حيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


الظاهر أن هذا من كلام امرأة العزيز وهو داخل تحت قوله: قالت. والمعنى: ذلك الإقرار والاعتراف بالحق، ليعلم يوسف أني لم أخنه في غيبته والذب عنه، وأرميه بذنب هو منه بريء. ثم اعتذرت عما وقعت فيه مما يقع فيه البشر من الشهوات بقولها: وما أبرئ نفسي، والنفوس مائلة إلى الشهوات أمارة بالسوء. وقال الزمخشري: وما أبرئ نفسي مع ذلك من الخيانة فإني قد خنته حين قذفته وقلت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن، وأودعته السجن تريد الاعتذار لما كان منها أن كل نفس لأمارة بالسوء إلا نفساً رحمها الله بالعمصة إن ربي غفور رحيم، استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت. ومن ذهب إلى أن قوله: ذلك ليعلم إلى آخره، من كلام يوسف يحتاج إلى تكلف ربط بينه وبين ما قبله، ولا دليل يدل على أنه من كلام يوسف. فقال ابن جريج: في الكلام تقديم وتأخير، وهذا الكلام متصل بقول يوسف: إن ربي بكيدهن عليم، وعلى هذا فالإشارة بقوله ذلك إلى إلقائه في السجن والتماسه البراءة أي: هذا ليعلم سيدي أني لم أخنه. وقال بعضهم: إنما قال يوسف هذه المقالة حين قالت امرأة العزيز كلامها إلى قولها: وإنه لمن الصادقين، فالإشارة على هذا إلى قولها وصنع الله فيه، وهذا يضعف، لأنه يقتضي حضوره مع النسوة عند الملك. فكيف يقول الملك بعد ذلك: ائتوني به؟ وفسر الزمخشري الآية أولاً على أنها من كلام يوسف فقال: أي ذلك التنبت والتشمر لظهور البراءة، ليعلم العزيز أني لم أخنه بظهر الغيب في حرمته، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين لا ينفذه ولا يسدده، وكأنه تعريض بامرأته في خيانتها في أمانة زوجها، وبه في خيانته أمانة الله حين ساعدها بعد ظهور الآيات على حبسه. ويجوز أن يكون توكيداً لأمانته، وأنه لو كان خائناً لما هدى الله كيده، ولا سدّده، ثم أراد أن يتواضع لله ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكياً، ولحالها في الأمانة معجباً كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» وليبين أن ما فيه من الأمانة ليس به وحده، وإنما هو بتوفيق الله ولطفه وعصمته. فقال: وما أبرئ نفسي من الزلل، وما أشهد لها بالبراءة الكلية، ولا أزكيها، إن النفس لأمارة بالسوء. أراد الجنس أي: هذا الجنس يأمر بالسوء، ويحمل على ما فيه من الشهوات انتهى. وفيه تكثير وتحميل للفظ ما ليس فيه، ويزيد على عادته في خطابته. ولما أحسّ الزمخشري بأشكال قول من قال: إنه من كلام يوسف قال: (فإن قلت): كيف صح أن يجعل من كلام يوسف ولا دليل على ذلك؟ (قلت): كفى بالمعنى دليلاً قائداً إلى أن يجعل من كلامه، ونحوه قوله: قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون؟ وهو من كلام فرعون يخاطبهم ويستشيرهم انتهى.
وهذا ليس كما ذكر، إذ لا يتعين في هذا التركيب أن يكون من كلام فرعون، بل هو من كلام الملأ تقدمهم فرعون إلى هذه المقالة، فقالوا ذلك بعض لبعض، فيكون في قول فرعون: يريد أن يخرجكم خطاباً للملأ من فرعون، ويكون في هذا التركيب خطاباً من بعضهم لبعض، ولا يتنافى اجتماع المقالتين. وبالغيب يحتمل أن يكون حالاً من الفاعل أي: غائباً عنه، أو من المفعول أي: غائباً عني، أو ظرفاً أي بمكان الغيب. والظاهر أنّ إلا ما رحم ربي استثناء متصل من قوله: لأمارة بالسوء، لأنه أراد الجنس بقوله: إن النفس، فكأنه قال: إلا النفس التي رحمها ربي فلا تأمر بالسوء، فيكون استثناء من الضمير المستكن في أمارة. ويجوز أن يكون مستثنى من مفعول أمارة المحذوف إذ التقدير: لأمارة بالسوء صاحبها، إلا الذي رحمه ربي فلا تأمره بالسوء. وجوزوا أن يكون مستثنى من ظرف الزمان المفهوم عمومه من ما قبل الاستثناء، وما ظرفية إذ التقدير: لأمارة بالسوء مدة بقائها إلا وقت رحمة الله العبد وذهابه بها عن اشتهاء المعاصي. وجوزوا أن يكون استثناء منقطعاً، وما مصدرية. وذكر ابن عطية أنه قول الجمهور أي: ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة.


روي أن الرسول جاءه فقال: أجب الملك، فخرج من السجن ودعا لأهله اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار، ولا تعم عليهم الأخبار، فهم أعلم الناس بالأخبار في الواقعات. وكتب على باب السجن: هذه منازل البلوى، وقبور الأحياء، وشماتة الأعداء، وتجربة الأصدقاء، ثم اغتسل وتنظف من درن السجن، ولبس ثياباً جدداً، فلما دخل على الملك قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره، ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية فقال: ما هذا اللسان؟ فقال: لسان آبائي، وكان الملك يتكلم بسبعين لساناً فكلمه بها، فأجابه بجميعها، فتعجب منه وقال: أيها الصديق إني أحب أن أسمع رؤياي منك قال: رأيت بقرات سمان فوصف لونهن وأحوالهن، وما كان خروجهن، ووصف السنابل وما كان منها على الهيئة التي رآها الملك لا يخرم منها حرفاً، وقال له: من حفظك أن تجعل الطعام في الاهراء فيأتيك الخلق من النواحي يمتارون منك، ويجتمع لك من المكنون ما لم يجتمع لأحد قبلك. وكان يوسف قصد أولاً بتثبته في السجن أن يرتقي إلى أعلى المنازل، فكان استدعاء الملك إياه أولاً بسبب علم الرؤيا، فلذلك قال: ائتوني به فقط، فلما فعل يوسف ما فعل فظهرت أمانته وصبره وهمته وجودة نظره وتأنيه في عدم التسرع إليه بأول طلب عظمت منزلته عنده، فطلبه ثانياً ومقصوده: استخلاصه لنفسه. ومعنى أستخلصه: أجعله خالصاً لنفسي وخاصاً بي، وسمى الله فرعون مصر ملكاً إذ هي حكاية اسم مضى حكمه وتصرم زمنه، فلو كان حياً لكان حكماً له إذا قيل لكافر ملك أو أمير، ولهذا كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم ولم يقل ملكاً ولا أميراً، لأن ذلك حكم. والجواب مسلم وتسلموا. وأما كونه عظيمهم فتلك صفة لا تفارقه كيف ما تقلب. وفي الكلام حذف التقدير: فسمع الملك كلام النسوة وبراءة يوسف مما رمى به، فأراد رؤيته وقال: ائتوني به فأتاه، فلما كلمه. والظاهر أن الفاعل بكلمه هو ضمير الملك أي: فلما كلمه الملك ورأى حسن جوابه ومحاورته. ويحتمل أن يكون الفاعل ضمير يوسف أي: فلما كلم يوسف الملك، ورأى الملك حسن منطقه بما صدق به الخبر، والمرء مخبوء تحت لسانه، قال: إنك اليوم لدينا مكين أي: ذو مكانة ومنزلة، أمين مؤتمن على كل شيء. وقيل: أمين آمين، والوصف بالأمانة هو الأبلغ في الإكرام، وبالأمن يحط من إكرام يوسف. ولما وصفه الملك بالتمكن عنده، والأمانة، طلب من الأعمال ما يناسب هذين الوصفين فقال: اجعلني على خزائن الأرض أي: ولني خزائن أرضك إني حفيظ أحفظ ما تستحفظه، عليم بوجوه التصرف. وصف نفسه بالأمانة والكفاءة وهما مقصود الملوك ممن يولونه، إذ هما يعمان وجوه التثقيف والحياطة، ولا خلل معهما لقائل.
وقيل: حفيظ للحساب، عليم بالألسن. وقيل: حفيظ لما استودعتني، عليم بسني الجوع. وهذا التخصيص لا وجه له، ودلّ إثناء يوسف على نفسه أنه يجوز للإنسان أن يثني على نفسه بالحق إذا جهل أمره، ولا يكون ذلك التزكية المنهي عنها. وعلى جواز عمل الرجل الصالح للرجل التاجر بما يقتضيه الشرع والعدل، لا بما يختاره ويشتهيه مما لا يسيغه الشرع، وإنما طلب يوسف هذه الولاية ليتوصل إلى إمضاء حكم الله، وإقامة الحق، وبسط العدل، والتمكن مما لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد، ولعلمه أن غيره لا يقوم مقامه في ذلك. فإنْ كان الملك قد أسلم كما روى مجاهد فلا كلام، وإن كان كافراً ولا سبيل إلى الحكم بأمر الله ودفع الظلم إلا بتمكينه، فللمتولي أن يستظهر به. وقيل: كان الملك يصدر عن رأي يوسف ولا يعترض عليه في كل ما رأى، فكان في حكم التابع. وما زال قضاة الإسلام يتولون القضاء من جهة من ليس بصالح، ولولا ذلك لبطلت أحكام الشرع، فهم مثابون على ذلك إذا عدلوا. وكذلك أي: مثل ذلك التمكين في نفس الملك مكناً ليوسف في أرض مصر، يتبوأ منها حيث يشاء أي: يتخذ منها مباءة ومنزلاً كل مكان أراد، فاستولى على جميعها، ودخلت تحت سلطانه. روي أن الملك توجه بتاجه، وختمه بخاتمه، ورداه بسيفه، ووضع له سريراً من ذهب مكللاً بالدر والياقوت، فجلس على السرير، ودانت له الملوك، وفوض الملك إليه أمره وعزل قطفير، ثم مات بعد، فزوجه الملك امرأته، فلما دخل عليها قال: أليس هذا خيراً مما طلبت؟ فوجدها عذراء، لأنّ العزيز كان لا يطأ، فولدت له ولدين: افراثيم، ومنشا. وأقام العدل بمصر، وأحبه الرجال والنساء، وأسلم على يده الملك وكثير من الناس، وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام بالدنانير والدراهم في السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها، ثم بالحلي والجواهر، ثم بالدواب، ثم بالضياع والعقار، ثم برقابهم، ثم استرقهم جميعاً فقالوا: والله ما رأينا كاليوم ملكاً أجل ولا أعظم منه فقال للملك: كيف رأيت صنع الله بي فيما خولني، فما ترى؟ قال: الرأي رأيك قال: فإني أشهد الله وأشهدك أني أعتقت أهل مصر عن آخرهم، ورددت عليهم أملاكهم. وكان لا يبيع من أحد من الممتارين أكثر من حمل بعير تقسيطاً بين الناس، وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام نحو ما أصاب مصر، فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا، واحتبس بنيامين. وقرأ الحسن وابن كثير: بخلاف عنهم أبو جعفر وشيبه ونافع: حيث نشاء بالنون، والجمهور بالياء. والظاهر أنّ قراءة الياء يكون فاعل نشاء ضميراً يعود على يوسف، ومشيئته معذوقة بمشيئة الله، إذ هو نبيه ورسوله. وإما أن يكون الضمير عائداً على الله أي: حيث يشاء الله، فيكون التفاتاً. نصيب برحمتنا أي: بنعمتنا من الملك والغنى وغيرهما، ولا نضيع في الدنيا أجر من أحسن. ثم ذكر أن أجر الآخرة خير، لأنه الدائم الذي لا يفنى. وقال سفيان بن عيينة: المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة، والفاجر يعجل له الخير في الدنيا، وما له في الآخرة من خلاق، وتلا هذه الآية. وفي الحديث ما يوافق ما قال سفيان، وفي الآية إشارة إلى أن حال يوسف في الآخرة خير من حالته العظيمة في الدنيا.


الجهاز: ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع، وكل ما يحمل، وجهاز العروس ما يكون معها من الأثاث والشورة، وجهاز الميت ما يحتاج إليه في دفنه. الرحل: ما على ظهر المركوب من متاع الراكب أو غيره، وجمعه رحال في الكثرة، وأرحل في القلة.
{وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون}: أي جاؤوا من القريات من أرض فلسطين بأرض الشام. وقيل: من الأولاج من ناحية الشعب إلى مصر ليمتاروا منها، فتوصلوا إلى يوسف للميرة، فعرفهم لأنه فارقهم وهم رجال، ورأى زيهم قريباً من زيهم إذ ذاك، ولأنّ همته كانت معمورة بهم وبمعرفتهم، فكان يتأمل ويتفطن. وروي أنهم انتسبوا في الاستئذان عليه فعرفهم، وأمر بإنزالهم. ولذلك قال الحسن: ما عرفهم حتى تعرفوا له، وإنكارهم إياه كان. قال الزمخشري: لطول العهد ومفارقته إياهم في سن الحداثة، ولاعتقادهم أنه قد هلك، ولذهابه عن أوهامهم لقلة فكرهم فيه، ولبعد حاله التي بلغها من الملك والسلطان عن حالته التي فارقوه عليها طريحاً في البئر مشريّاً بدراهم معدودة، حتى لو تخيل لهم أنه هو لكذبوا أنفسهم. ولأن الملك مما يبدل الزي ويلبس صاحبه من التهيب والاستعظام ما ينكر منه المعروف. وقيل: رأوه على زي فرعون عليه ثياب الحرير جالساً على سرير في عنقه طوق من ذهب، وعلى رأسه تاج، فما خطر لهم أنه هو. وقيل: ما رأوه إلا من بعيد بينهم وبينه مسافة وحجاب، وما وقفوا إلا حيث يقف طلاب الحوائج.
ولما جهزهم بجهازهم، وكان الجهاز الذي لهم هو الطعام الذي امتاروه. وفي الكلام حذف تقديره: وقد كان استوضح منهم أنهم لهم أخ قعد عند أبيهم. روي أنه لما عرفهم أراد أن يخبروه بجميع أمرهم، فباحثهم بأن قال لهم ترجمانه: أظنكم جواسيس، فاحتاجوا إلى التعريف بأنفسهم فقالوا: نحن أبناء رجل صديق، وكنا اثنى عشر، ذهب منا واحد في البرية، وبقي أصغرنا عند أبينا، وجئنا نحن للميرة، وسقنا بعير الباقي منا وكانوا عشرة ولهم أحد عشر بعيراً. فقال لهم يوسف: ولم تخلف أحدكم؟ قالوا: لمحبة أبينا فيه قال: فأتوني بهذا الأخ حتى أعلم حقيقة قولكم، وأرى لم أحبه أبوكم أكثر منكم إن كنتم صادقين؟ وأورد الزمخشري هذا القصص بألفاظ أخر تقارب هذه في المعنى، وفي آخره قال: فمن يشهد لكم أنكم لستم بعيون، وإن الذي تقولون حق؟ قالوا: إنا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد يشهد لنا.
قال: فدعوا بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم وهو يحمل رسالة من أبيكم حتى أصدقكم، فاقترعوا فأصاب القرعة شمعون، وكان أحسنهم رأياً في يوسف، فخلفوه عنده، وكان قد أحسن إنزالهم وضيافتهم. وقيل: لم يرتهن أحداً، وروي غير هذا في طلب الأخ من أبيهم. قيل: كان يوسف ملثماً أبداً ستراً لجماله، وكان ينقر في الصواع فيفهم من طنينه صدق الحديث أو كذبه، فسئلوا عن أخبارهم، فكلما صدقوا قال لهم: صدقتم، فلما قالوا: وكان لنا أخ أكله الذئب أطن يوسف الصواع وقال: كذبتم، ثم تغير لهم وقال: أراكم جواسيس، وكلفهم سوق الأخ الباقي ليظهر صدقهم. وقرئ: بجهازهم بكسر الجيم، وتنكر أخ، ولم يقل بأخيكم وإن كان قد عرفه وعرفهم مبالغة في كونه لا يريد أن يتعرف لهم، ولا أنه يدري من هو. ألا ترى فرقاً بين مررت بغلامك، ومررت بغلام لك؟ إنك في التعريف تكون عارفاً بالغلام، وفي التنكير أنت جاهل به. فالتعريف يفيد فرع عهد في الغلام بينك وبين المخاطب، والتنكير لا عهد فيه البتة. وجائز أن نخبر عمن تعرفه إخبار النكرة فتقول: قال رجل لنا وأنت تعرفه لصدق إطلاق النكرة على المعرفة، ثم ذكر ما يحرضهم به على الإتيان بأخيهم بقوله: ألا ترون إني أوف الكيل وأنا خير المنزلين أي المضيفين؟ يعني في قطره وفي زمانه يؤنسهم بذلك ويستميلهم، ثم توعدهم إن لم يأتوا به إليه بحرمانهم من الميرة في المستقبل. واحتمل قوله: ولا تقربون، أن يكون نهياً، وأن يكون نفياً مستقلاً ومعناه النهي. وحذفت النون وهو مرفوع، كما حذفت في فبم تبشرون أن يكون نفياً داخلاً في الجزاء معطوفاً على محل فلا كيل لكم عندي، فيكون مجزوماً والمعنى: أنهم لا يقربون له بكذا ولا طاعة. وظاهر كل ما فعله يوسف عليه السلام معهم أنه بوحي، وإلا فإنه كان مقتضى البر أن يبادر إلى أبيه ويستدعيه، لكن الله تعالى أراد تكميل أجر يعقوب ومحنته: ولتتفسر الرؤيا الأولى قالوا: سنراود عنه أباه أي: سنخادعه ونستميله في رفق إلى أن يتركه يأتي معنا إليك، ثم أكدوا ذلك الوعد بأنهم فاعلو ذلك لا محالة، لا نفرط فيه ولا نتوانى. وقرأ الأخوان وحفص: لفتيانه، وباقي السبعة لفتيته، فالكثرة على مراعاة المأمورين، والقلة على مراعاة المتأوّلين. فهم الخدمة الكائلون أمرهم بجعل المال الذي اشتروا به الطعام في رحالهم مبالغة في استمالتهم لعلهم يعرفونها أي: يعرفون حق ردها، وحق التكرم بإعطاء البدلين فيرغبون فينا إذا انقلبوا إلى أهلهم، وفرغوا ظروفهم. ولعلهم يعرفونها تعليق بالجعل، ولعلهم يرجعون تعليق بترجي معرفة البضاعة للرجوع إلى يوسف. قيل: وكانت بضاعتهم النعال والأدم. وقيل: يرجعون متعد، فالمعنى لعلهم يردون البضاعة. وقيل: تخوف أن لا يكون عند أبيه من المتاع ما يرجعون به. وقيل: علم أن ديانتهم تحملهم على رد البضاعة، لا يستحلون إمساكها فيرجعون لأجلها. وقيل: جعلها توطئة لجعل السقاية في رحل أخيه بعد ذلك، ليتبين أنه لم يسرق لمن يتأمل القصة. قال ابن عطية: ويظهر أن ما فعله يوسف من صلتهم وجبرهم في تلك الشدة كان واجباً عليه، إذ هو ملك عادل وهم أهل إيمان ونبوة.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10